**الفصل التمهيدي: الموت النهائي**


في هذا اليوم الساكن المخيف، حتى الخيول المربوطة بعربة الحصن لم تصدر أي صوت.


كانت السماء تكسوها ظلال رمادية كئيبة، وكانت الأغصان المثقلة بالأوراق تتدلى وكأنها تشعر بالذنب.


كانت أنظار الجميع تترقب امرأة واحدة، ترقد في أعماق قلعة كراويل. بدا أن العالم بأسره غارق في الحزن، بسببها وحدها.


على السرير، الذي تحيط به جموع الناس، كانت هناك امرأة شاحبة، يظهر عليها بوضوح شحوب الموت. شعرها الوردي الزاهي قد ضعف وهشّ بسبب مرضها الطويل، وعيناها الذهبيتان تحت رموشها المرتجفة تفقدان بريقهما شيئًا فشيئًا. ومع ذلك، لم يكن أي شيء قادرًا على أن يخفي جمالها.


"أيها اللعنة، حرري البطل الآن.

في الموت، ستنالين الحرية.

أنتِ، الأقوى من أي أحد، سيذكركِ العالم."


تجمّع المرسلون من الإمبراطورية، ومن برج السحر، ومن المعبد، حولها، وانحنوا برؤوسهم في وداعٍ موحد، ثم تراجعوا. كانت تلك مرثية وتحية وداع للبطل العظيم الذي أنقذ العالم.


نعم.


اليوم كان اليوم الذي سيتوقف فيه أنفاس إديث كراويل.


البطلة العظيمة للإمبراطورية، إديث كراويل.


البطلة والساحرة العظيمة التي منعت الكوارث المتعددة من أن تبيد العالم.


يجب أن يخفض كل شيء في هذا العالم رأسه إجلالًا لرحيلها.


أخيرًا، قد حانت هذه اللحظة النهائية.


لم تكن إديث تشعر بالخوف أو الحزن من الموت.


فقط شعور بالراحة والفرح.


"أخيرًا."


فقد عاشت هذه الحياة "مرة أخرى" مئات المرات لتصل إلى هذه النقطة. بمعنى آخر، كانت إديث متقمصةً تكرر الزمن مئات المرات.


ابتسامة خافتة رسمت على وجهها المتصلب.


"...سيتذكرني العالم."


لكن هذا لم يكن بالأمر المهم.


ما يهمها… كان ببساطة أنها أخيرًا تستطيع الموت.


"لقد انتهى الأمر."


أدارت إديث رقبتها المتصلبة لتستنشق رائحة الزنابق البيضاء الموضوعة بجانب وسادتها.


لقد تركتها هناك شقيقتها المحبوبة. يا لها من لفتة لطيفة.


"هاه…"


حتى مجرد التنفس كان يجعل صدرها الذابل يرتجف بعنف. كان جسدها منهكًا لدرجة يصعب تصديق أنها كانت تتحكم بالعالم قبل سنوات فقط.


ومع ذلك، كانت إديث تتحمل الألم المبرح الذي كان يبدو وكأنه يمزق كيانها. لم تزعجها ملابسها الرقيقة الملتصقة ببشرتها المتعرقة.


القول "أن تموت بلا ندم" كان يصف حالها الحالي بأفضل صورة.


السبب وراء أن إديث كراويل خضعت لتلك المعاناة وإعادة التقمص القاسية كان لعنةً بلا اسم.


لعنة بشعة تتسبب بألم مروع حيث يتفتت جسدها تدريجيًا حتى يتلاشى كالرماد.


لكن، وبنفس الوقت، السبب الذي مكّن إديث كراويل من تحقيق كل شيء كان أيضًا بفضل تلك اللعنة.


في الأصل، كانت اللعنة موجهة لتجلب الموت المحتوم. لكن إديث اكتشفت حقيقة جديدة تتعلق باللعنة.


الشخص المصاب بهذه اللعنة "يجب أن يشهد نهاية اللعنة ليتمكن من الموت."


لذا، إذا مات شخص قبل أن يصل إلى نهاية اللعنة…


فسيعود للحياة في اليوم التالي تحت تأثير اللعنة.


وهكذا عاشت إديث كراويل مئات الحيوات مرارًا وتكرارًا.


مئات الحيوات هذه كانت تحوي مئات من الأحداث، وكل حدث يحمل آلاف الاحتمالات.


بفضل قدرتها، تمكنت إديث من استشراف المنعطفات الكبيرة في حياتها وحساب أفضل الخطوات كلاعبي الشطرنج، تعيد حياتها مرارًا وتكرارًا.


إذا حدث أي خطأ طفيف، كانت تتخلى ببساطة وتبدأ من البداية.


في حياة لم تستطع إنهاءها بنفسها حقًا.


إذا حققت نهاية مثالية، فسيكون الموت في انتظارها.


تجمع ما تبقى من شظايا نفسها المهشمة مرارًا. مرةً بعد مرة... حتى وصلت إلى المستقبل الأمثل.


إديث كراويل خاضت مئات الإعادات.


وبما أنها لم تكن تملك خيارًا لإيقاف الإعادة، فقد كان من الأنسب أن نقول إنها لم تملك خيارًا سوى النجاح.


ومع ذلك، ما جعل إديث كراويل تحافظ على إنسانيتها بدلاً من أن تتحول إلى وحش هو هدفها الراسخ.


"عائلتي المحبوبة…"


أرادت أن تترك مستقبلاً لأحبائها.


فيما كانت العالم يغرق في الفوضى، أنقذت العالم لتحمي عائلتها المحبوبة. كل معاني أخرى تلاشت منذ وقت طويل.


إديث كراويل ضحت حتى برفاهيتها الخاصة في سبيل حماية عائلة كراويل.


هدف واحد متوهج بشدة وجهت تلك المتقمصة الخالدة.


وأخيرًا، قد حان الوقت.


"هذا هو."


بعد مئات من الوفيات والحيوات، استطاعت أن ترى النهاية.


لم يغرق العالم في الفوضى، وعائلة كراويل كانت أكثر احترامًا من أي عائلة أخرى.


سيحفظ التاريخ أغاني وقصائد تذكرها وتمجدها.


لم تعد مضطرة للعودة إلى الماضي. تستطيع الموت أخيرًا.


وحتى بعد موتها.


حتى بعد نهاية هذه الحياة.


سيمضي العالم.


كانت إديث تهمس دون وعي بما تبقى من خيوط كلماتها.


"يا لعنة الحياة. دعيني أذهب... أطلقي سراحي الآن."


في تلك اللحظة.


بدأ جسد إديث كراويل، الذي صمد لفترة طويلة، بالانسحاب ببطء من هذا العالم.


متفتتةً كالرماد، متناثرةً كالغبار.


ابتلع الجميع أنينًا حزينًا على موت البطلة التي امتد تأثيرها لقرن.


شقوق طويلة وثقيلة ظهرت على وجنتيها الشاحبتين كتمثال أبيض من الجص.


تصدع.


الشكل الإنساني يتفتت.


الروح الملعونة تتلاشى بلا أثر...


الموت الكامل يبدو بلا إحساس، على ما يبدو.


أغلقت إديث عينيها بلا ندم.


بعدها، اختفت جفونها.


عينها تناثرت كغبار ذهبي، ولمعانها الأخير تلاشى.


...كان هذا ما ينبغي أن يكون.


🥀


لفحتني ريح ساخنة، وأغمضت عيني بلا وعي.


كان يجب أن تتناثر كل رمشة عين إلى رماد. الذراعان والساقان اللذان كان من المفترض أن يرخيا مثل دمية مكسورة كانا يشعران بثقل غريب.


حدث ذلك عندما عادت رؤيتي.


شظية ضوء أزرق ساطع اخترقتني مباشرة.


"...؟!"


تحرك رأسي غريزيًا جانبًا، وجسدي استجاب بمفرده.


لم يكن هذا حلمًا أو وهمًا.


عندما أدرت رأسي، شعرت بألم حارق يقطع خدي.


لم أتمكن من تفاديها تمامًا، حيث شق خط محترق عبر خدي.


"...؟"


مددت يدي إلى وجهي، ووجدتها مغطاة بسائل دافئ ولزج. أحمر. دم.


رفعت يدي الدامية، ونظرت إلى خصمي أمامي.


وجه شاب عادي لا أعرفه كان يحدق بي، وسيفه ما زال ممتدًا من الهجمة، مجمدًا من القلق.


"...آه."


"……"


ماذا؟


نظرت حولي بسرعة. بدا أن الناس من حولي يفسرون رد فعلي كإشارة، وبدأوا جميعًا بالدردشة بصوت عالٍ.


"لم تتفادَ. هل هي مجنونة؟"


"ماذا يحدث؟"


"إديث كراويل تنزف."


"أن تسحب سيفًا على سيدة."


"حسنًا، هي تلك إديث كراويل، لذا ربما لا بأس."


"إذن ماذا حدث؟ هل هو تدريب مبارزة؟"


"تشستر سحب سلاحه."


"من يعلم. ربما كراويل ستستغل هذا لتكسب شيئًا."


كان ضجيج الأصوات المتداخلة يغمرني بشدة بينما بدأت حواسي في الاستجابة.


أين أنا؟


هؤلاء الناس؟


…ريح غبارية تحمل رائحة الدم والعرق تداعب شعري.


ظهري يشعر بوخز الأسوار الخشبية الخشنة.


النسيم الدافئ، المسخن بوضوح من حرارة الأجساد، يبعثر حبيبات الرمل التي تلامس رموشي كلما اشتدت.


...المشهد الذي رآه عيني المفتوحتين حديثًا كان مشهدًا لم أكن لأتخيله أبدًا.

صبية الصغار، جميعهم يرتدون زياً موحداً متشابهاً، احتشدوا… في ساحة التدريب.


هل هذه ساحة المبارزة في الأكاديمية؟


ما الذي يحدث بحق السماء؟


خفق قلبي بجنون، لكن لا، كان من المفترض ألا ينبض على الإطلاق. ألم يكن من المفترض أن أنعم بالراحة؟


كان من المفترض أن ينتهي كل هذا. لم يكن هناك أي سبيل آخر. فلماذا؟


الأصوات التي كانت تعصف بعقلي، الذي كان هادئًا تمامًا من قبل، باتت كأنها على وشك أن تفجّر رأسي. تساؤلات لا إجابة لها بدأت تتراكم. لماذا بحق السماء…؟


هذا الشعور… تمامًا… كأني أُعيد إلى الحياة مجددًا…


"هذا غير ممكن."


لا، لا يمكن أن يحدث هذا. لا بد أن هذا أمر لا يجب أن يحدث.


"…لا… يمكن… أن يكون."


صوتي، بصوت شاب قاسٍ، نطق بهذه الكلمات ببطء. استغرقت لحظات حتى أدركت أن الصوت كان صوتي أنا.


"ما… ما الذي تقوله؟ إنها غلطتك لأنك لم تتفادى، يا كراويل!"


ثم تسللت ضوضاء إلى أذني التي كانت تزخر بالطنين. ماذا قلت؟ هل كنت أتكلم بصوت عالٍ؟ شعرت بأن رأسي مثقل ومشوش.


صحيح. كل ما أحتاجه الآن هو التأكد.


كانت الشفرة التي كانت موجهة نحو وجهي قد انخفضت بطريقة ما، مرتجفة باضطراب قريبًا من صدري – في وضع مثالي ليعكس صورتي.


أمسكت الشفرة بيد واحدة وجذبتها نحوي بقوة. حافتُها الحادة اخترقت كفي بسهولة، والألم الحارق كان حقيقيًا بشكل لا يقبل الشك.


"آآآه!"


"هل فقدت عقلك؟!"


أطلقت الصرخات المذعورة عندما أمسكت النصل بيدي العارية في حركة طائشة.


"آه…!"


حتى الفتى الذي كان يمسك بالسيف أطلق صرخة متوترة وأفلت سلاحه.


يا لهم من أطفال ضجيجهم لا ينتهي.


رفعت النصل الممسوك حتى يقابل وجهي. انعكاسي المشوه يحدق بي عبر الفولاذ.


"لا… يمكن… أن يكون…"


جرت الدماء على خدي الأيسر من جرح طويل، ملطخةً وجنتيّ بالأحمر.


شعري الوردي الفوضوي كان متناثرًا بلا ترتيب، وعيناي الصفراء، المتوهجة كالجمر، التقتا بنظراتي المنعكسة في الشفرة.


الدم الأحمر المتساقط من يدي التي تمسك بالنصل غطى وجهي المنعكس في حافة الشفرة.


"…هاه."


تسللت تنهيدة خافتة مني.


لقد عدت إلى الماضي مرة أخرى.


🥀


شكرًا لقراءتكم! ♡

خطا؟ ابلغ الان
التعليقات

التعليقات

Show Comments